الكاتب : فؤاد مغربي
عندما ينهار الحكم الشائن للقذافي في النهاية, ولا بد له حتماً من الانهيار, وتتاح أخيراً السجلات المحفوظة, لو أنها حقاً موجودة, سوف نكتشف على الأرجح تاريخاً دنيئاً لا يخلو من الخزي.
وتوخياً للإنصاف, لا يقتصر هذا التاريخ على القذافي وحده. هناك طغاة عرب آخرون – من “الراديكاليين” حسبما يزعمون أو أيضاً من نوعية “المعتدلين” حسبما هو مفترض – امتلكوا سجلاً مخزياً بنفس القدر فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية. اِنْسَ كلمات التضامن المنمقة مع الفلسطينيين؛ فالأفعال تشهد بأن هذه الأنظمة كانت في الواقع أول خط من خطوط الدفاع عن عدوان إسرائيل وضراوتها في المنطقة.
تذكَّر دعوة وقحة وجَّهها القذافي إلى الفلسطينيين المحاصَرين ببيروت في أغسطس 1982 للبقاء في أماكنهم والإقدام على انتحار قومي. وقفت الحكومات العربية عاجزة وتفرجت على إسرائيل وهي تغزو دولة عربية وتقصف عاصمتها بالقنابل قصفاً لا تمييز فيه أياماً عديدة متواصلة. وقفت عاجزة وإسرائيل تطوق بيروت الغربية وتترك ميليشيا الكتائب اللبنانية تقتحم مخيميّ اللاجئين الفلسطينيين صبرا وشاتيلا حتى ترتكب مذبحة منهجية في حق مدنيين عزل.
تذكَّر ما حدَث بعد انقضاء سنوات حين استولى الغضب على القذافي من توقيع اتفاقية أوسلو وتأسيس السلطة الفلسطينية فأمر بطرد 30000 فلسطيني من ليبيا. وضع الفلسطينيين في سفن من غير وِجهة محدَّدة. تمكن بعضهم من دخول لبنان وسوريا بينما سمحت السلطات المصرية لحاملي وثائق السفر بعبور مصر في طريقهم إلى غزة بدون أن تجيز لأحد البقاء فترة تزيد على 24 ساعة. تم تجميع الباقين في مخيم مؤقت للاجئين بمدينة السلوم الواقعة على الحدود المصرية الليبية.
لا شك أن العقيد الذي حاول – دون إحراز أي نجاح – ارتداء عباءة جمال عبد الناصر لم يكن صديقاً لفلسطين أو الفلسطينيين. ومع ذلك حاول حقاً اكتساب بعض الشرعية من خلال تبني موقف “راديكالي” مزعوم من قضية فلسطين. وقد فطن الفلسطينيون, مثلهم مثل أغلب الليبيين, إلى زيف ادعائه البائس. فطنوا كذلك إلى تصرفات مسرحية حقيرة جاء بها العقيد. إذ كان يرسل في طلب كوافير يطير إليه من روما ليصفف شعره قبل مقابلات تليفزيونية ظهر فيها بملابس شنيعة المنظر كي تلاءم ديكور خيمة أقامها في وسط الصحراء. ربما خدعت هذه الممارسات المحتالة الجديرة بالشفقة التليفزيون الأمريكي, ولكنها لم تخدع على الإطلاق شعبه أو الفلسطينيين.
هل أحدث القذافي أي تأثير على النضال الفلسطيني القومي وسياساته الداخلية؟ الإجابة بوضوح هي ‘لا’. وبالرغم من ذلك فقد موَّل بالفعل بعض الجماعات الهامشية التي قدَّمت نفسها تحت زعم أنها راديكالية منتمية إلى ‘جبهة الرفض’ ونفذت نشاطات طائشة غبية سياسياً في بعض الدول الأفريقية وغيرها.
وطيلة سنوات عملي مع المقاومة الفلسطينية علِمت من عدد من القادة أن القذافي كان عازفاً عن تمويل أي من الفصائل الفلسطينية الرئيسية لمجرد عدم قدرته على التحكم فيها. وفي بضعة حوارات خاصة مع ياسر عرفات وجورج حبش وصف لي الرجلان القذافي بأنه قائد مختل قد يكون مولعاً بالتدمير والتخريب. كان عرفات مقتنعاً بأن القذافي تعاون تعاوناً فاعلاً تماماً في عدة مواقف مع وكالات الاستخبارات الغربية, وبخاصة الأمريكية, في محاولة يائسة من جانبه للفوز بالمصداقية والشرعية العالميتين.
ما معنى أن تكون أيام القذافي معدودة؟
سوف ينتهي هذا النظام الرهيب الحقير وسوف يتحمل مرتكبو الجرائم ضد الإنسانية مسؤولية آثامهم. إلا أن الانتقال إلى النظام الديمقراطي سوف يكون طويلاً بالغ الصعوبة مع الأخذ في الاعتبار ما نزَل بالمجتمع الليبي من ألم طوال السنوات. ومن أجل معاناة الشعب الليبي الطويلة أتمنى أن تبزغ ليبيا كدولة مستقلة ذات سيادة قادرة على التعبير عن مصالحها والدفاع عنها. أملي أن تخفق جهود الثورة المضادة التي تقودها الولايات المتحدة – جهود جارية بالفعل كما يدل خطاب أوباما المنمق الطنان – في تحويل ليبيا إلى دولة مذعنة.
تعني الديمقراطية أن يتولى الليبيون السلطة للمرة الأولى في تاريخهم المعاصر الحافل بالتعذيب. سوف تصير ليبيا ذات الديمقراطية الحقيقية التي تستجيب إلى إرادة شعبها صديقة لفلسطين والفلسطينيين. لن يسعها إلا أن تجابه إسرائيل بوصفها نظاماً يتبنى سياسة التمييز العنصري, وعليه سوف تصادق على أهداف حركة مقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات التجارية عليها. لن تطالَب ليبيا الديمقراطية بالانحياز إلى فصيل فلسطيني ضد آخر. وإنما ستتمكن ليبيا – بصفتها فاعلاً إقليمياً مهماً في العالم العربي والإسلامي – من أن تصوغ لنفسها وضعاً دبلوماسياً فعالاً يناصر العدالة والحقوق المتساوية والإنصاف. ومهما بدت الأوضاع مؤلمة في الوقت الحالي, سوف ينتظر الشعب الليبي مستقبلٌ أكثر إشراقاً, ومعه سوف تتحسن أيضاً احتمالات تقدم فلسطين.
وتوخياً للإنصاف, لا يقتصر هذا التاريخ على القذافي وحده. هناك طغاة عرب آخرون – من “الراديكاليين” حسبما يزعمون أو أيضاً من نوعية “المعتدلين” حسبما هو مفترض – امتلكوا سجلاً مخزياً بنفس القدر فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية. اِنْسَ كلمات التضامن المنمقة مع الفلسطينيين؛ فالأفعال تشهد بأن هذه الأنظمة كانت في الواقع أول خط من خطوط الدفاع عن عدوان إسرائيل وضراوتها في المنطقة.
تذكَّر دعوة وقحة وجَّهها القذافي إلى الفلسطينيين المحاصَرين ببيروت في أغسطس 1982 للبقاء في أماكنهم والإقدام على انتحار قومي. وقفت الحكومات العربية عاجزة وتفرجت على إسرائيل وهي تغزو دولة عربية وتقصف عاصمتها بالقنابل قصفاً لا تمييز فيه أياماً عديدة متواصلة. وقفت عاجزة وإسرائيل تطوق بيروت الغربية وتترك ميليشيا الكتائب اللبنانية تقتحم مخيميّ اللاجئين الفلسطينيين صبرا وشاتيلا حتى ترتكب مذبحة منهجية في حق مدنيين عزل.
تذكَّر ما حدَث بعد انقضاء سنوات حين استولى الغضب على القذافي من توقيع اتفاقية أوسلو وتأسيس السلطة الفلسطينية فأمر بطرد 30000 فلسطيني من ليبيا. وضع الفلسطينيين في سفن من غير وِجهة محدَّدة. تمكن بعضهم من دخول لبنان وسوريا بينما سمحت السلطات المصرية لحاملي وثائق السفر بعبور مصر في طريقهم إلى غزة بدون أن تجيز لأحد البقاء فترة تزيد على 24 ساعة. تم تجميع الباقين في مخيم مؤقت للاجئين بمدينة السلوم الواقعة على الحدود المصرية الليبية.
لا شك أن العقيد الذي حاول – دون إحراز أي نجاح – ارتداء عباءة جمال عبد الناصر لم يكن صديقاً لفلسطين أو الفلسطينيين. ومع ذلك حاول حقاً اكتساب بعض الشرعية من خلال تبني موقف “راديكالي” مزعوم من قضية فلسطين. وقد فطن الفلسطينيون, مثلهم مثل أغلب الليبيين, إلى زيف ادعائه البائس. فطنوا كذلك إلى تصرفات مسرحية حقيرة جاء بها العقيد. إذ كان يرسل في طلب كوافير يطير إليه من روما ليصفف شعره قبل مقابلات تليفزيونية ظهر فيها بملابس شنيعة المنظر كي تلاءم ديكور خيمة أقامها في وسط الصحراء. ربما خدعت هذه الممارسات المحتالة الجديرة بالشفقة التليفزيون الأمريكي, ولكنها لم تخدع على الإطلاق شعبه أو الفلسطينيين.
هل أحدث القذافي أي تأثير على النضال الفلسطيني القومي وسياساته الداخلية؟ الإجابة بوضوح هي ‘لا’. وبالرغم من ذلك فقد موَّل بالفعل بعض الجماعات الهامشية التي قدَّمت نفسها تحت زعم أنها راديكالية منتمية إلى ‘جبهة الرفض’ ونفذت نشاطات طائشة غبية سياسياً في بعض الدول الأفريقية وغيرها.
وطيلة سنوات عملي مع المقاومة الفلسطينية علِمت من عدد من القادة أن القذافي كان عازفاً عن تمويل أي من الفصائل الفلسطينية الرئيسية لمجرد عدم قدرته على التحكم فيها. وفي بضعة حوارات خاصة مع ياسر عرفات وجورج حبش وصف لي الرجلان القذافي بأنه قائد مختل قد يكون مولعاً بالتدمير والتخريب. كان عرفات مقتنعاً بأن القذافي تعاون تعاوناً فاعلاً تماماً في عدة مواقف مع وكالات الاستخبارات الغربية, وبخاصة الأمريكية, في محاولة يائسة من جانبه للفوز بالمصداقية والشرعية العالميتين.
ما معنى أن تكون أيام القذافي معدودة؟
سوف ينتهي هذا النظام الرهيب الحقير وسوف يتحمل مرتكبو الجرائم ضد الإنسانية مسؤولية آثامهم. إلا أن الانتقال إلى النظام الديمقراطي سوف يكون طويلاً بالغ الصعوبة مع الأخذ في الاعتبار ما نزَل بالمجتمع الليبي من ألم طوال السنوات. ومن أجل معاناة الشعب الليبي الطويلة أتمنى أن تبزغ ليبيا كدولة مستقلة ذات سيادة قادرة على التعبير عن مصالحها والدفاع عنها. أملي أن تخفق جهود الثورة المضادة التي تقودها الولايات المتحدة – جهود جارية بالفعل كما يدل خطاب أوباما المنمق الطنان – في تحويل ليبيا إلى دولة مذعنة.
تعني الديمقراطية أن يتولى الليبيون السلطة للمرة الأولى في تاريخهم المعاصر الحافل بالتعذيب. سوف تصير ليبيا ذات الديمقراطية الحقيقية التي تستجيب إلى إرادة شعبها صديقة لفلسطين والفلسطينيين. لن يسعها إلا أن تجابه إسرائيل بوصفها نظاماً يتبنى سياسة التمييز العنصري, وعليه سوف تصادق على أهداف حركة مقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات التجارية عليها. لن تطالَب ليبيا الديمقراطية بالانحياز إلى فصيل فلسطيني ضد آخر. وإنما ستتمكن ليبيا – بصفتها فاعلاً إقليمياً مهماً في العالم العربي والإسلامي – من أن تصوغ لنفسها وضعاً دبلوماسياً فعالاً يناصر العدالة والحقوق المتساوية والإنصاف. ومهما بدت الأوضاع مؤلمة في الوقت الحالي, سوف ينتظر الشعب الليبي مستقبلٌ أكثر إشراقاً, ومعه سوف تتحسن أيضاً احتمالات تقدم فلسطين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق