إجمالي مشاهدات الصفحة

الأحد، 2 أكتوبر 2011

محمد سحيم : رايس لبلاد

بقلم الكاتب : محمد سحيم


أنا ابن جيل لم ينل ما يكفي من التعليم و الحليب والزيت والطماطم و"الدحي" بسبب الثورة .. لأني ولدت في فترة تعبد فيها " الثورة " ويستغنى عن كل ما سواها،

لم يكن مسموحاً لأحد أن يطلب شيئاً أو يطالب بنصف شيء لأن أصحاب الثورة كانوا يخافون على ثورتهم أكثر من خوفهم على الشعب الليبي وأي مطلب مدني أو حقوقي أو حتى لأجل المعدة وغطاء العورة اعتبر محاولة للانقضاض على الثورة ، لم نملك مكرهين إلا تدليل هذه الثورة حتى تكمل "زحّرتها" الأبدية.

كان الجوع تهمة والمرض تهمة والعوز تهمة إلا لمن خبأها وأبدى لثورته الولاء والطاعة ومواثيق الشرف ، كانت الحكمة أن من عنده قطعة ثورة لا يحتاج سوى الخبز والماء .

كانت برامج الأطفال ثورية .. نشرة الأخبار ثورية ..الإعلانات التجارية ثورية ....إمام الجامع ثوري ... المعلم ثوري .. الناضر ثوري ... عامل النظافة ثوري ...المزارع ثوري .... الراعي في المرعى ثوري ... الأبقار ثورية الأغنام ثورية ... الثيران ثورية..... كانت الثورة حرف وصل لازم بين كل حرفين لا يصح الكلام بدونها.

***

في العام الذي دخلت فيه المدرسة (1987) لم أكن بحاجة إلى الثورة بمقدار حاجتي إلى حقيبة كتب ولآن الثورة في تلك السنة كانت في أتم غنجها استبدلت الحقيبة بغلاف "مخدة" حتى لا نقلق هناء ثورتنا العظيمة.

من لم يستسغ هذه الحالة الثورية أبداً كان يسأل عن موعد انتهاء هذا الهيجان المستمر مستنداً إلى أن الحياة تنظمها وتحميها قوانين الدولة وأن الثورة – إن حدثت- فهي فعل لحظة وليست حالة نفاس قد تطول 40 ليلة أو 40 سنة ، أذكر أني دفعت ثمناً لهذا السؤال البريء ودفع آلاف الليبيين أثماناً باهظة لجرأتهم على الإلهة الثورة.
***
جاءت مرحلة ما بعد الحصار وخففت عقوبة المطالبة بالدولة من السحل والتصفية في الشوارع إلى مجرد الطعن بسكين أو الضرب بالهراوات في الشارع العام على مرأى من الناس ، لاحقاً صار من الممكن المطالبة بدولة تحت حذاء الثورة مقابل بعض التهديدات والوعود باللجوء إلى الكلاشنكوف لحسم صراع الثورة .

كانت الثورة إسهالاً مزمناً سبب في جفاف أطراف ليبيا واستنزفها إلى حد صارت فيه رؤية ليبيا من الطائرة أشبه بالوقوف على جثمانٍ قضى بالجوع .

طالبنا بحد أدنى من الدولة يمكن من خلاله بث الحياة فيما تبقى من أطراف الجثة وطالب العديد من الليبيين بمختلف توجهاتهم الفكرية والسياسية بإقامة هذا الملاذ لما تبقى من الليبيين واستثمرت هذه الصرخات لصالح إعلاء مشروع توريث الثورة فيما عرف بمشروع الإصلاح.

عادت الثورة المدللة والتهمت مشروع الإصلاح وبقي التوريث وعاد الليبيون إلى الصلاة أمام مقدمة حذاء الثورة علّها ترضى بعد كل هذا البذل.
***
دخل عام 2011 على المنطقة محملاً بالثورات وخلال شهره الأول صارت ثورتنا تجلس بين ثورة تونسية غرباً وثورة مصرية شرقاً وكان حرياً بها أن تزغرد لهذا الأنس وأن تبتهج لانقضاء سنوات الوحدة والانحشار بين أنظمة جمهورية تقليدية وأن تسمح لشعبها مثل جيرانه أن يمارس ثورته جهاراً بدلاً من عادات الوشوشة السرية .

فوجئنا بامتعاض هذا المكون الذي كان يسمي نفسه ثورة و لاحظنا مدى الانتشار الأمني فيما تبقى من ليبيا وتحولت الثورة من معبودة إلى كلمة محرمة ، ومن كانوا يدعون إلى تثوير كل شيء صاروا يتحدثون عن الأمن والأمان والاستقرار واستأجروا من الله بعض الكلمات التي تقدس الاستقرار والحياة الهانئة.
***
ما سبق يضعني أمام واجب أخلاقي يحتم علي توجيه الخطاب مباشرةً إلى السيد معمر القذافي بوصفه السلطة العليا والوحيدة في ليبيا .

أعرف كوني ابن جيل يمثل 75% من سكان ليبيا أنه –هذا الجيل- قد سئم من دلال هذه الثورة التي تحولت إلى (حال واقع) لا يشبه ثورات الجوار.

وأعرف أن تطمينات المستشارين الأمنيين باستقرار الوضع ودعوات الشعب لحضرتكم بطول العمر تشبه تلك التي سمعها زين العابدين وحسني مبارك قبل أن يروا الناس في الشوارع.

وأعرف أن من حولك من يعدك ويقسم لك بنسف كل من يتجرأ على النزول إلى الشارع مطالباً بالكرامة .

وأعرف أنه تحيط بك أدوات التهليل والتزمير والنفاق بما يكفي لحجب الحق عنك.

حتى اللحظة لم تنزلق ليبيا إلى دوامة الحالتين التونسية والمصرية وبصفتي ابن هذا الجيل وابن الأحياء الفقيرة أقول لك أن ليبيا ذاهبة في ذات الطريق وأن ما سيحدث في ليبيا ستمتطيه بعض القوى الخارجية لتسريع وتيرته لتثبت للمنطقة أنها نصيرة الحرية والديمقراطية.

السيد معمر القذافي أضعك أمام مسؤولية تاريخية لتسمح لليبيين بممارسة حقوقهم في إقامة دولتهم وإطلاق الحريات وتشكيل الأحزاب والتجهيز لانتخابات تسهل وتختصر انتقال السلطة إلى حكومة وطنية منتخبة .

هذه الإجراءات قد تختصر إراقة دماء ليبيا وتسجل لك العبور بليبيا إلى بر الأمان الفعلي والاستقرار الحقيقي.

يبقى أن أشير إلى أن اعتقالي أو سجني أو قتلي أو نفيي لن يغير من الحالة أو لربما يعجل بانفجارها.
So7aim@yahoo.com
* رايس لبلاد عنوان أغنية راب تونسية غناها ووجها الرابر المشهور بالجنرار مخاطباً الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي قبل الثورة بأيام ، تجدونها على هذا الرابط : 


نشر هذا المقال بتاريخ 05 / نوفمبر / 2011 م

السبت، 1 أكتوبر 2011

سليم الرقعي : علي الصلابي مرة أخرى !؟




بقلم الكاتب : سليم الرقعي





الشئ الذي أضحكني في حكايات وقصص أخينا "الشيخ علي الصلابي" عن دوره البطولي والقيادي والتاريخي والتخطيطي والعسكري الجامع في حرب تحرير ليبيا مدينة مدينة ودار دار هو أنه كلما روى لنا قصة يـُنهيها بالقول لنا نحن الأخوة المشاهدين والأخوات المشاهدات :

(( إذهبوا إسألوا قطر !.. إمشوا أسألوا الشيخ "حمد" .. إمشوا أسألوا وزير الدفاع القطري الذي وضع خطة تحرير ليبيا !!.. إمشوا أسألوا "البشير" رئيس السودان .. أمشوا أسألوا "الحاج مصطفى عبد الجليل" .. إمشوا أسألوا المجلس الوطني)) !!!...إلخ ...

وسؤالي هنا هو كالتالي : ((هاذوم كلهم - بالله عليكم - وين بس إنطقوا فيهم نحن رقاد الريح بيش نسألوهم عن هالقصص هذين كلهن)!!!؟؟.. وين وكيف !!؟؟.. شنو هو باب الشيخ "حمد" - حفظه الله - أصبح مثل باب أمير المؤمنين "عمر بن خطاب" مفتوحا ً أمام عباد الله أجمعين.. بلا حاجب ولا إحم ولا تستور .. أم أن العملية فيها "إحميده" و"محمود" !!!؟؟؟.

عموما ً الإنطباعات التي خرجت بها من اللقاء الجاري وكذلك الذي سبقه بالأمس هو ما يلي:

(1) الإنطباع الأول : هو كأننا بصدد حملة دعائية إنتخابية مبكرة - ضربة إستباقية - والتي يتم فيها عادة تلميع أحد الشخصيات السياسية كمرشح محتمل للسلطة!.. وأنا لست ضد هذا .. فهذا وارد في عالم السياسة .. ولكنني لا أحب الغموض واللف والدوران .. فليس من السهل تصديق أن "فرد واحد" لا يستند لتنظيم محلي قوي أو دولي يمكن أن تكون له كل هذه القدرات والإمكانات والإتصالات والبطولات الخارقة للعادة !!.

(2) الإنطباع الثاني : الذي خرجت به من حضوري لهذا اللقاء هو كأن أخانا "على الصلابي" - حسب ما يروي من روايات - هو بمثابة القائد الرئيسي والحقيقي لهذه الثورة ولمعركة تحرير ليبيا !!!.. فهو من مصلح ديني وباحث في التاريخ الإسلامي يصلح بين الإسلاميين المتشددين ونظام القذافي ويشارك في صياغة دستور الجماهيرية الثانية وشيخ دين وعضو في إتحاد علماء المسلمين وعلماء ليبيا (!!!!؟؟؟) إلى محلل سياسي وعسكري فذ تسضيفه قناة الجزيرة القطرية فنشط سياسي فقائد سياسي وعسكري يجري إتصالات دولية كبيرة وخطيرة بدون أية صفة رسمية (!!!) مع دول ورؤساء دول !!!.. ومع هذا كله يقول لك أنا لست عضوا ً في تنظيم (الإخوان المسلمين) ولكنني متخرجا ً من مدرستهم الفكرية وربما السياسية فقط !!!.

وأخشى أن نجد أنفسنا فيما بعد أمام نسخ كثيرة ومتجددة لقصص نجاح ثورة 17 فبراير !!.. فلكل طرف قصة .. وكل طرف يحاول إقناعنا بأنه هو بطل الفيلم !!... كما كان الحال في قصص القذافي عن ثورته المزعومة!!.. كل سنة قصة ونسخة جديدة ومعدلة !!!.

بصراحة بدا لي الأخ "الصلابي" كما لو أنه يملك "صلاحيات وقوات وعلاقات خارقة للعادة" - غير مسبوقة !! - كالتي كان يملكها "سيف القذافي " في الدولة الليبية !!!!!.. صلاحيات وقوة خارقة للعادة بلا صفة رسمية لا في الدولة ولا في الثورة ولا في تنظيم محلي أو دولي!!... لهذا .. والله - بصراحة - قصة إدوّخ !!!.. إدوّخ حتى بوعقلين !!.. بدليل دوختْ حتى العبد لله المحسوب على "الإسلاميين" أصلا ً يا بال "الناس البرانيه"!!!!؟؟؟.

سليم الرقعي

الثلاثاء، 27 سبتمبر 2011

على المجبري : العشر الصادقات ..

العشر الصادقات  ..
بقلم الكاتب : على المجبري


كتب الكاتب عاطف الأطرش في صفحته الشخصية على الفيس بوك  :
شح في السلاح والذخيرة في جبهة سرت وبني وليد... رغم الغنائم والمعونات التي يتم تكديسها في مخازن عساكر إسماعيل الصلابي ومن هم على شاكلته... هل يحتفظون بها لوقت العازة مثلاً ؟!!!





فرد عليه مصطفى الساقزلي أحد قادة كتيبة 17 فبراير وزميل إسماعيل الصلابي على نفس الصفحة قائلاً  :
أخي الصحفي المناضل عاطف الأطرش، أولا الحمد لله على سلامتك من سجون القذافي و يعلم الله كم تألمنا لسجنك و أسرك، أما بخصوص عساكر اسماعيل الصلابي فأود توضيح أن ليس لإسماعيل عساكر و إنما هو أحد قادة كتيبة شهداء 17 فبراير و التي اتشرف بالإنتماء إليها كونها أول كتيبة للثوار أسست في ليبيا يوم27 فبراير 2011 ، أما عن تخزين السلاح فكتيبتنا لا تخزن السلاح بل كما يعلم كل من هو على أرض المعركة كانت توزع السلاح الذي يقع بين يديها لكل من هو متواجد على الجبهات في كافة جبهات ليبيا سواء شرقا أو مصراتة أو الجبل ، كما أرسلنا مئات من أبناءنا الى مصراتة و الجبل و طرابلس و دربنا كذلك شباب من كافة المدن الليبية و ليس أقلها كتيبة طرابلس، أما عن إسماعيل فأتشرف بأن أكون على شاكلته و أن أكون رفيقه في السلاح و يكفيه و يكفي كتيبتنا شرفا أننا جميعا يوم 19 مارس يوم فر من فر شرقا فإننا ففرنا غربا الى تيكة و القوارشة لملاقاة كتائب القذافي! أخي عاطف أنت صحفي مهني ثائر مناضل أتمنى منك الإنصاف و العمل على لم الشمل و رص الصف في هذه المرحلة الحرجة التي لا مخرج منها إلا وحدة الصف. ربي يحفظك و يحفظ لنا اسماعيل و كافة ثوارنا لنبني ليبيا حرة آمنة مزدهرة لأهلنا جميعا.


فرد الكاتب على المجبري بهذه المقالة :

العشرُ الصادقات !! 
ـــــــــ 

لقد قرأت ردَّ السيد مصطفى الساقزلي المحترم ، القيادي بكتيبة ( 17 فبراير ) على مُلصق الزميل الصحافي المناضل عاطف الأطرش بصفحته على الفيسبوك ، .. لذلك فلتسمح لي سيد مصطفى أن أدفع إليك بهذه ( العَشر الصَّادقات ) آملا أن لا تتصادمَ مع ما تؤمن به من أفكار ، أو تصدُمَ ما تعتقد أنه الحقيقة  :

* *

1
ـ ثورة ( 17 فبراير ) فجّرها جميعُ الليبيين .. ؛ لذلك ، ستكون ليبيا ملكا لكل الليبيين .

2
ـ أمّا بخصوص الدعوة للثورة والإعداد لها وتفجيرها ، فقد بدأناها نحن الكتَّابَ والصحافيين والناشطين السياسيين ، وكنا معروفين تماما للنظام ومقيمين داخل ليبيا ، وطبعا كنا نتوقع القبض علينا في كل لحظة واعتقالنا وإعدامنا وتشريد أسرِنا .. وقد حدث بعض هذا لفريق منا شرّفهم الله بهذا الوسام العظيم الذي لا يحقّ لأحد سحبه منهم على مرّ الأزمان ... ورغم ما يتميز به طاغية ليبيا من إجرام وقمع فإننا لم نتخاذل وكتبنا بأسمائنا ونشرنا في الداخل والخارج وحرَّضنا على الثورة واضعين أرواحنا في الصف الأمامي من قائمة المطلوبين من البنادق وكتيبة الإعدام والتصفية .

3
ـ وفي أيام 15 ـ 16 ـ 17 ـ 18 ـ 19 ـ 20 ـ 21 فبراير ، كنا نحن وشباب ليبيا في مدن الشرق والغرب نتصدى بأقلامنا وأرواحنا لكتائب القذافي ومرتزقته حتى تمّ تحريرُ كامل الجزء الشرقي من ليبيا ، وتحرير أجزاء متفرقة من الغرب .. وطبعا لم يكن بيننا لا جيشٌ وطني ولا سرايا الثوار ولا كتيبةُ ( 17 فبراير ) ولا كتيبةُ ( بوسليم ) ولا أيُّ قوة منَظَّمة أو منضوية في كتائبَ أو سرايا ،، فلم نكن نعرف أو نرى قوةً منظَّمة غيرَ كتائبِ القذافي الحربية والأمنية وسرايا مرتزقته الغامقة .

4
ـ فالشرقُ كله ، ومُحرَّراتُ الغرب من المدائن حرَّره الشبابُ الليبي ( اللاّمنتمي ) ذهنيا ، الذين هم لا إسلاميين ولا علمانيين .. بل هم عامة شباب ليبيا ورجالها ، من المؤمنين بالله ، الذين يدينون بالإسلام الوسطيّ حيث لا غلوَّ ولا تفريط .

5
ـ وحتى نعطي كل ذي حق حقه ، فلو لم يُقيَّض لثورتنا النجاح ، فإن أغلب من سينالهم التنكيل هم كتابنا الأوائل وصحافيونا وناشطونا السياسيون الذين دعوا للثورة قبل تفجيرها وحرضوا عليها وساندوها منذ أيامها الأولى .. فدليل إدانتهم كان هو كتاباتهم المنشورة في كل الصحف والمواقع الإلكترونية في الداخل والخارج وهذا بالطبع لا يمكن محوُه ! .. ؛ لقد كان كل واحد منهم يحمل في عنقه دليل اتهامه الذي يقوده إلى الموت من أوسع أبوابه .
..
وبالتأكيد لولا شجاعة هؤلاء وإنكارهم لذاتهم وتقبُّلهم لفكرة الموت من أجل الوطن لما تحدَّد يوم ( 17 فبراير ) أصلاً ، ولما اجتمع الشعب في كامل أرجاء ليبيا على هذا التاريخ .. وفيه ! .

6
ـ إنَّ ( برقة ) لم يحرّرها الإسلاميون والأجزاء التي تحررت في الأيام الأولى في الغرب لم يحرّرها الإسلاميون ، والذين خرجوا في طرابلس يوم 20 فبراير مزكِّين للوطن بـ ( 600 ) شهيد لم يكونوا من الإسلاميين ، وإنما حرَّرها شبابنا من مختلف تياراتهم الفكرية ودرجات إيمانهم وتقواهم وإلتزامهم الديني الذي يبدأ من التفريط إلى الالتزام .. وقوائم الشهداء الأوائل في كل أرجاء ليبيا تنبئ بذلك .. ويمكن الرجوع إليها في مناطق الشرق والغرب .. ؛

..
أما قولك " يوم 19 مارس يوم فرّ من فرّ شرقًا ( ؟؟ ) بينما أنتم فررتم غربًا إلى تيكة والقوارشة .. " .. فإنه قول استغربه منك ( وانت على ما أنت عليه من علمٍ وفضل ) ، وأردُّه عليك ،، : فوالله ! كان شبابُ بنغازي المعتدلون ـ بأسلحتهم المتوسطة والخفيفة ـ يتربصون كالصقور في أعالي الأشجار ، ويتحفّزون كالفهود فوق الكبارِي ، وينتشرون كأحسن أجناد الله على أرضٍ ليس عليها حصون أو سواتر أو متاريس ، يواجهون الدبابات والراجمات بصدورهم العارية ، وتكبيرهم ، وقذائفهم التي سدّدها ورماها الله تعالى عوضا عنهم .. 

أنا لا أنكر أنّ الإسلاميين قاوموا وواجهوا وقاتلوا كالأسود أو أشدّ ، ولكن شبابنا الآخرين هم أيضا استبسلوا ؛ وقد أقسموا أنْ لن تمرَّ دبابةٌ واحدة باتجاه بنغازي إلا على جثثهم ! ، ( وقوائم الشهداء لا تكذب هنا أيضا ) .. أمّا عن إشارتك إلى الذين هربوا شرقاً ، فهذه ليست مَسبّةً لهم فما هم إلا أُسر بنغازي المستضعفة ـ من أقاربك وأقاربنا ـ التي لا حامي لها والتي كانت تخشى على نفسها من تهديد مجرم ليبيا وقد رأوا وسمعوا ما حاق بأهالي الزاوية وزوارة ومصراتة من قتل وتنكيل وأعمال نهب وخطف واغتصاب !! .

7
ـ وبصدد السلاح والذخيرة وتشكيلات سرايا الثوار ، فسؤالي ( وهو السؤالُ نفسُه الذي يدور ويجري في الشارع الليبي ) : لماذا لا تنضمُّ هذه السرايا المقاتِلة إلى " الجيش الوطني " الذي يُفترَض أنه الجهة الرسمية الوحيدة التي تقود العمل العسكري في ليبيا 17 فبراير ؟ .. والإجابةُ التي تدور أيضا في الشارع الليبي ، هو أن هذه السرايا قررت الإستقلال عن أجهزة الدولة للدفاع عن ذهنيتها السياسية والدينية وتوجيه سياسة الدولة نحو معتقداتها تحت قوة السلاح أو التهديد به ! .

8
ـ كما أنَّ الشارعَ نفسَه يؤكد على حراسته المشدَّدة لثورته ! ..فهي لن تُسرَقَ منه أبدا ؛ .. وأن الشعب الذي كسر ( خشم ) الطاغية النمرود المسلَّح بالكفر والقوة والجبروت لن يعجز عن مقاومة أيِّ شخص ، أو جماعة ، أو طائفة من المسلحين ، قد يتبادر إلى ذهنهم سرقة ثورة الشعب وفرض الوصاية على ( فيالق ) شباب ليبيا بقوة السلاح أو بالتهديد به .. ؛ فلا يسخرنَّ أحدٌ من شباب ليبيا ؛ فورقتهم القاصمة لم تُلعب بعد .. وبالتأكيد لن تحترق ! .

9
ـ وأتساءل هل ما قمتم به من ( جهاد ) يتطلب بالضرورة ثمنًا في الدنيا !؟ .. على علمي ـ كمسلم وسطيّ ـ أنَّ أجر الجهاد آخروي ، مما لا يمنحكم الحق بالاستقلال عن الجموع ، أو الإنفصال عنهم ، وكأنكم وحدكم أصحاب الفضل على الليبيين بما مَنَّ اللهُ به عليهم من نصر .

10
ـ الإسلاميون لهم حقٌّ في البلاد والمعتدلون لهم حقٌّ في البلاد ( وطبعا لا علمانيين بيننا فهو مجرد لفظ مدسوس على الليبراليين للاساءة إليهم مستغلين غياب الثقافة السياسية لدى عموم الليبيين بفعل التعتيم الثقافي الممنهج الذي ارتكبه القذافي ضد شعبه ) .. وليس يحق لأي من الفريقين إقصاء الآخر ، فكلنا ليبيون بمختلف أفكارنا ومشاربنا ، والحكومة تستوعب كل الأفكار فهناك وزارات تليق بالإسلاميين وهناك وزارات تليق بالليبراليين و( الخير يعمّ ) .. فالتئموا ، وتوادُّوا ، .. ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم .
" ...... "

 )
ومازلنا نقدّم أرواحنا رخيصة من أجل ليبيا ومن أجل كلمة حق لا يُراد بها باطل ( !


رد مصطفى الساقزلي على مقال الكاتب على المجبري :
أخي العزيز اشكرك على الرد و أود توضيح التالي :انا لست "اسلاميا" بل مسلما حنيفا كما سمانا الله تعالى جميعا و لا أؤمن بهذه التصنيفات ، لم اتهم أو أنقص قدر أحد لا صحفي و لا غيره و إنما دافعت عن زميلي الذي اتهم بأنه يكدس السلاح لمؤامرة! وإحقاقا للحق و لما أعرف عنه وعن كتيبتنا كان ردي، أخي علي لسنا على اختلاف أؤيد جل كلامك ولست أمنّ أنا ولا إخواني على احد بل كل الليبيون صنعوا الثورة ولا ندعي أننا نحتكرها ، ولكن من حقنا أن ندافع عن إخواننا حينما يساء فهمهم.

هذا كل ما اردت بيانه وأعوذ بالله أن أزايد على أحد ممن شارك في الثورة سواء صحفيا او سياسيا أو عجوزا رفعت يداها لله داعية لهذه الثورة ! ولكن مرة أخرى من حق إخواني الدفاع عنهم عندما يساء فهمهم ! و ليكن شعارنا كما ذكرت الآية "و لاتنازعوا فتفشلوا" لحين رسو سفينة ثورتنا وبلادنا إلى بر الأمان ثم لا بأس من الإختلاف و التنازع سلميا على صناديق الإقتراع.
أخوك مصطفى الساقزلي ..

الثلاثاء، 2 أغسطس 2011

برنار هنري ليفي : ليبيا بعد اغتيال يونس


ليبيا بعد اغتيال يونس

برنار هنري ليفي 
نشر بتاريخ 2. 8. 2011
ترجمة: خالد محمد جهيمة 

يعتبر اغتيال اللواء عبد الفتاح يونس، رئيسِ أركان القوات الليبية الحرة، حدثا تراجيديا، وبخاصة بالنسبة للذين عرفوه. لكنه لا يعتبر كارثة عسكرية، وسياسية، كما يحلو لأولئك الذي لا يفوتون فرصة، في فرنسا، أو في خارجها، لتشويه سمعة الثوار إلا واغتنموها، وَصفَهُ. بداية، لأن كل المقاومات، وكل حركات التمرد المسلح اضطرت لمواجهة مثل هذه المآسي، التي هي، في الغالب، نتيجةُ مكائد من تخطيط العدو؛ فالمقاومة الفرنسية، على سبيل المثال، عرفت عددا لا يحصى من الاغتيالات، بسبب خيانات ارتُكبت في حق شخصيات قيادية، لعل من أشهرها حادثة اغتيال جان مولان . أما في أفغانستان، فقد قتل زعيم تحالف الشمال أحمد شاه مسعود، عن طريق آلة تصوير مفخخة بعد أن باعه، في معقله، أحدُ أهم رجاله المفترضين. وهو ما حصل بالنسبة لجبهة التحرير الجزائرية، التي قضى عدد من قياداتها على أيدي عملاء سريين، أو مقاومين اشترت ذمَمَهم المخابراتُ الفرنسية. تظل كل الثورات تحت رحمة خلية نائمة، أو طابورٍ خامس، أو عصابة مستغلَّة. كما أن قياداتها السياسية، والعسكرية ـ لا ينسى ذلك إلا من فقد كلَّ ذاكرة تاريخية ـ كانت دائما هدفا مفضلا لكل هذه الألعاب المزدوجة، ولأولئك القتلة الخارجين من الظل.
ثم إن الضربة، بالتأكيد، مؤلمة بالنسبة لبنغازي، لاسيما أن المجلس الوطني الانتقالي قد فقد باغتيال يونس أحد قادته، الذين يعرفون جيدا نفسية القذافي، وأسرار، وأساليب عمل نظامه، والمخابئَ التي بنياها معا، وكذلك تكتيكَه، واستراجيتَه (ذلك يوضح سبب تركيز طرابلس، ورغبتها في اغتياله، ووضعِ جائزة لمن يأت برأسه، وجعلِه هدفا أوليا، سواء على المستوى الشخصي، أو العسكري)؛ لأنه كان الرجل الثاني في نظام القذافي. لكن الضربة، مع قسوتها، ليست قاضية؛ لأن عبد الفتاح يونس، على الرغم من أنه كان يتميز بمعرفة نظام العدو من الداخل، ويتمتع، فضلا عن ذلك، بثقة الحلفاء، وبخاصة فرنسا، ليس الوحيد الذي يملك مفاتيح اللعبة؛ فهناك، إلى جانب من هم في بنغازي، في مصراتة، وفي مدن جبل نفوسة، البعيدة جغرافيا عن معقل الثوار، ضباطٌ محترفون، وقادةٌ مدنيون، في مستوى شجاعة يونس، وليسوا أقل منه قدرة على قيادة ليبيا الحرة نحو النصر. وفي النهاية؛ لأن غيابه لم يتبعه أيُّ تراجع على أي من الجبهات (بريقة، القواليش، ومحيط مصراتة) بل العكس هو الصحيح.
وأخيرا، كلف المجلس الوطني الانتقالي لجنة تحقيق، تعهدت بإلقاء الضوء على حادثة القتل هذه. لكن هناك شيئا مؤكدا، يكمن في سخف الطريقة التي تم بها أخذ هذه القضية، منذ بضعة أيام، حجة لتقديم المجلس الوطن باعتباره تحالفا غير متجانس، وغامض من أفراد يبدو أنهم يشنون حرب ضد بعضهم بعضا. وفي كونها دليلا على فقد مقلِق للذاكرة التاريخية. أعرف أن المجلس يضم متخلفين وحداثيين، وممثلين عن القبائل وآخرين منبثقين عن الطبقة الوسطى المتمدنة، ومؤيدين سابقين لنظام القذافي، وأحيانا إسلاميين بالكاد تائبين، ومعارضين تاريخيين، ومناضلين في مجال حقوق الإنسان. لكن أن يتم اعتبار ذلك علامة، لكي لا يقال دليلا على عدم الشرعية، على ضعفه، فأمر لا معنى له؛ لأن في ذلك غض للبصر عن حقيقة أن الديمقراطيون يمثلون الأغلبية الكاسحة فيه، وعن أخرى مفادها أن التاريخ العام لحركات المقاومة يفيدنا بأنها عبارة عن تحالفات من هذا القبيل، تجتمع فيها كل مكونات المجتمع. ألا يقود نكرانُ هذه الحقيقة، والإصرارُ على استبعاد كل الأطياف، والإبقاءُ على واحد منها فقط، كما حدث في جبهة التحرير الجزائرية، الأمورَ إلى أن تسير في نهاية المطاف، إلى الأسوإ؟ هل يجب علينا نقد سلطة لندن المتمردة، بأثر رجعي، لضمها، في عام 1940، يساريين، ويمينيين، وجمهوريين في حالة حداد على قيمهم، وأعضاء من الحركة الفرنسية التي اعتبرت الجمهورية مسؤولة عن الهزيمة، وماسونيين، وقوميين، وشيوعيين، واشتراكيين، وديجوليين، ومناهضين لديجول أيضا؟
لن تفلح الشائعات في فعل أي شيء. لا بد للثورة الليبية، أكثر من أي وقت مضى، بعد اغتيال أحد قادتها، وربما بسبب ذلك، أن تتوحدَ، وتنتصرَ.

محمد بوسدرة : شاهد يروي مذبحة بوسليم


قال محمد بوسدرة أشهر سجين إسلامي ليبي إنه على استعداد للإدلاء بشهادته أمام القضاء الوطني والدولي ضد العقيد معمر القذافي وأعوانه لارتكابهم   جريمة قتل 1270 معتقلا أغلبهم من الإسلاميين في 29 يونيو/حزيران 1996 داخل سجن "بوسليم" بإحدى ضواحي العاصمة طرابلس.

وبوسدرة هو أحد أعضاء جماعة الدعوة والتبليغ، اعتقلته أجهزة الأمن مرارا بعد دخوله في صراع مع قوى أمنية بمدينة البيضاء شرقي ليبيا، وتوسع نشاطه الدعوي في دول أوروبية وآسيوية.
وقد كان المحاور الرئيسي بين المخابرات وسجناء بوسليم قبل إطلاق الرصاص عليهم.



تعذيب وقمع :
وروى بوسدرة للجزيرة نت حادثة القتل الجماعي التي وافقت الأربعاء الذكرى السنوية الـ15 على وقوعها, مؤكدا أنه ورفاقه تعرضوا لأشد أنواع القمع والتعذيب والقهر والإذلال منذ دخولهم السجن عام 1989.

وقال إن الانتهاكات بلغت حد تجريدهم من الملابس عدا الداخلية لمدة عام، وأوضح أن أعدادا كبيرة من الإسلاميين دخلوا المعتقلات عام 1995 بعدما قرروا حمل السلاح، وهو القرار الذي عده القذافي تهديدا مباشرا له.


وأشار إلى أن النظام حمل السجناء مسؤولية ما كان يجري في البلاد حينها من مواجهات مسلحة.

ولاحظ أن الشباب لم يكونوا يعتقدون أن نظام القذافي "جبان", وأنه كان يتلقى ضربات "موجعة" كانت ربما ستؤدي إلى انهياره في أي لحظة حينها.

المذبحة الكبيرة :
وروى أنه أثناء توزيع العشاء ليلة "المذبحة الكبيرة", سمع السجناء صوت صرخات أحد الحراس، وإثر ذلك فتح السجناء الأبواب وطلبوا من زملائهم الخروج.

وأوضح "قلنا لهم هل لديكم سلاح؟ قالوا لا. قلنا لهم هل لديكم دعم خارجي؟ ردوا بالنفي. قلنا لهم لا طائل من خروجكم". وما هي إلا لحظات حتى أخذ الرصاص ينهمر داخل الممرات".

في هذه الأثناء قتل حارس آخر وستة سجناء ينتمون إلى مدن درنة وبنغازي وأجدابيا، وقد حضر على الفور إلى السجن آمر الشرطة العسكرية العقيد أحمد بوشعالة ومعه الحارس مسعود المشاي، وطلبوا من بعض قادة الجماعة المقاتلة فتح قناة تفاهم وحوار، فكان الطلب الرئيسي مقابلة ممثلين عن الدولة.

ويقول بوسدرة إن أعضاء من مناطق الشرق انضموا إلى المفاوضات مع قادة أجهزة الأمن برئاسة رئيس المخابرات عبد الله السنوسي بناء على طلب الأخير.

وتحدث وفد السجناء عن معاناة السجن والمرض وعدم المحاكمة، وتركزت المطالب على تحسين أوضاع السجناء, وتوفير العلاج والسماح باستعمال المذياع والخروج إلى ساحة السجن تحت الشمس, والسماح بزيارات الأهل، قائلا إن السنوسي وافق على جميع المطالب عدا المحاكمة.

وكان بوسدرة يرجح قتل أصحاب الغرفة رقم تسعة في القاطع أربعة, وهي الغرفة التي انطلقت منها شرارة المطالب، وكانت تضم السجناء محمد غليو، وعز الدين مرواس، ومحمد الفالح، وعاشور بوميزورة، وموسى عيسى خميس, وناصر المزيني وآخرين.

وقال "فكرت في إعلان البراءة من قتل الحارس لإنقاذ بقية السجناء، لكن كنت أخشى التاريخ".

ويضيف أن الحوار مع الأمن كان مصطنعا، وأنه لم يستبعد خيانتهم، ولكن طلبوا حينها إخراج 140 مريضا والجرحى والقتلى، وأوضح أن موازين القوى كانت مختلفة لعدم توفر السلاح حينها.

ويتذكر أنه عندما قام بتسليم أحد الحراس إلى عبد الله السنوسي قال له الأخير "إلى لقاء"، فشعر بوسدرة أن تلك العبارة النكرة وعيد.

ثلاث ساعات :
ويستطرد بوسدرة قائلا "جاء حارس وطلب مني الخروج قبل ساعات من عملية القتل إلى وسط غابة".

ويختم حديثه قائلا إنه "بعد سبعة شهور رجعوا بنا إلى بو سليم، وجدنا آثار القتل من بقايا الشعر وقطع الجماجم والدماء على الجدران". وعلمنا أن الرفاق ماتوا، وهم يكبرون في الساحة على صوت الرصاص، ولا نعلم بمصير رفاتهم حتى الآن".

الأربعاء، 20 يوليو 2011

شلقم لـ«الحياة» الحلقة الخامسة والأخيرة : اعترف القذافي بالفساد الكبير

شلقم لـ«الحياة»: اعترف القذافي بالفساد الكبير واعتبر نفسه غير مسبوق وجهّز التاج وأعلن نفسه «ملك الملوك» (الاخيرة)
الاربعاء, 20 يوليو 2011
روما - غسان شربل
 
يستبعد وزير الخارجية الليبي السابق عبدالرحمن شلقم، ان يُقْدِم معمر القذافي على الانتحار، ولا يستبعد ان يوافق على الخروج مع عائلته إذا أطبق الثوار على طرابلس. ويقول إن وزير الخارجية السابق والمدير السابق للاستخبارات الخارجية موسى كوسى انشق «عندما وجد ان معمر بحد ذاته جريمة» ، مشيراً الى أنه رافقه في رحلته من بريطانيا الى قطر بعد انشقاقه. ويشير الى انه بعد طيّ ملف أسلحة الدمار الشامل، كانت الأجهزة الليبية تزوِّد الأجهزة الامنية الاميركية وبلا تحفظ معلومات عن «القاعدة» والإسلاميين.

ويقول شلقم إن الليبيين يتطلعون الى بناء دولة مدنية قائمة على التعددية والتداول السلمي للسلطة. ويحذِّر من ان اي محاولة لفرض صيغة وحيدة متشددة ستواجَه بالرفض، ذلك ان الليبيين «لا يريدون حكماً شبيهاً بطالبان». ولم يُخْفِ قلقه من صعوبات في المرحلة الانتقالية، بسبب غياب التجربة الحزبية والنقابية والمجتمع المدني خلال العقود الأربعة الماضية.


في هذه الحلقة، يتحدث شلقم عن لقائه الأخير مع القذافي، وانشقاقه عن النظام، وعن قصة «ملك ملوك أفريقيا».


وهنا نص الحلقة الخامسة والأخيرة:


> حدثنا عن اللقاء الأخير مع القذافي؟


- اللقاء الأخير كان في 6 تشرين الثاني (نوفمبر) بعد عودتي من نيويورك. ليبيا كانت ستستضيف مجموعة 77 زائد الصين أي 130 رئيساً (لأنه كان دور أفريقيا لاستضافة الحدث). وكانت الفكرة أن تعقد في أيلول (سبتمبر) ويطرح فيها تغيير الأمم المتحدة وموضوعات أخرى. زرته في منطقة اسمها المربعات فكلمني بشير صالح مدير مكتب معمر القذافي وقال تحرك الآن لمنطقة المربعات، وهي منطقة تشبه المحمية فيها ابل وغنم وأشجار. فذهبت ووجدت معمر في الهواء الطلق وتحدثنا عن هذا المؤتمر. ثم قلت له اسمح لي سأكون قليل الأدب. وبنكتة قال لي أنت دائماً قليل الأدب. قلت له البلد ضائعة وأصبحت جيفة والدود يخرج منها، وأنت الوحيد الذي تستطيع أن تنقذها ولكن لا أريد أن أتحدث في غياب البغدادي رئيس الوزراء وهو صديقي وزميلي. وأنا عادة لا أتحدث من وراء الأشخاص. عندما أريد أن أنتقد شخصاً أقول أرجوك استدعه. نادى على السكرتارية وأشار قل للبغدادي أن يحضر الآن. فعاد (السكرتير) يقول سيدي البغدادي (يبلغك) انه في اجتماع هام وسيأتي في ما بعد. حدثته عن البطالة، حدثته عن أولاده: سيف غير مهتم . حدثته عن التعليم، عن الشفافية، عن مجمل الأوضاع وكان يقول لي معك حق، معك حق، صحيح، صحيح... ثم قال لي يا عبدالرحمن عندما أتينا للسلطة الذي كان لديه خمسة أشخاص أصبح لديه خمسين وخمسمئة، كل شخص انحرف، الذي لم يكن «يخمر» أصبح الآن «يخمر»، الذي لم يكن يزني أصبح يزني، الذي لم يكن يسرق أصبح يسرق. ونحن كبرنا ويجب أن نسلم كل شيء لأولادنا. قلت له أيها الأخ القائد أنا معك لكن أبنائي ليسوا معك، هم يريدون عالماً آخر. قال لي حتى أولادي ليسوا معي، أولادي مثل أولادك. حدثته عن النظام الإداري في الدولة. كان متجاوباً ومتفهماً وغادرت.


في اليوم التالي كلمني الأخ محمد الزاوي أمين المؤتمر الشعبي العام (مثل رئيس البرلمان) فقال لي مرّ عليّ. ذهبت إليه وقال لي كلمني الأخ معمر وأبلغني أنه مر علي عبدالرحمن شلقم وكان غاضباً ومتشائماً وزعلاناً، فاستدعي البغدادي المحمودي (رئيس الوزراء) وتباحثوا. جاءنا البغدادي. لا أريد أن أروي ما حدث حتى لا أسبب لهم مشاكل الآن. لكن في العموم قالوا هناك أخطاء وقلت للبغدادي إنه لا بد أن تستقيل، الناس كلها تلومك. جاء أحمد قذاف الدم ثم دخلت الى غرفة وحدي مع البغدادي وتحدثنا بصراحة مطلقة وقال لي هناك فساد، واشتكى من أشياء كثيرة وغادرنا. في المساء زارني محمد الزوي في بيتي وقال لي الوضع صعب والإصلاح صعب لكن لا بد أن نتحمل. قلت له الى متى؟ تحملنا 42 عاماً، متى الإصلاح؟ فقال لي ما رأيك أن نعقد المؤتمر الشعبي العام وأنت تشكل اللجنة الشعبية العامة باختيارك، أي تشكل الحكومة. قلت له بعد أن ماتت ليبيا وأصبحت جثة تريدني أن أطبخها وأقدمها لليبيين. أنا لا استطيع وقد أغادر ليبيا ولا أعود. محمد الزاوي صديقي ومثل أخي وبيننا مودة وعلاقة قديمة وحميمة. كلمني في اليوم التالي أبو زيد دوردة مدير الاستخبارات (كان سابقاً رئيس وزراء وسفيراً في الأمم المتحدة) هو شخص أيضاً وطني وينتقد ولا يرضى بالفساد، وعلاقتي به حميمة وأبلغني أنه آت الي. جاءني وقال إنه سمع كلاماً من محمد الزاوي أزعجه فقد قال إنك تفكر أن تغادر ولا تعود وهذا غير معقول وعيب. فقلت له كانت لحظة غضب فقط، فقد خفت من الاعتقال أو من منع السفر وتحدثنا واعترف أن هناك فساداً وأن الإصلاح صعب وهذا ما حصل.


>هل كنت قد اتخذت قرارك؟


- أنا فكرت مرات عدة من قبل. حتى عندما استدعيت من إيطاليا عام 1994 فكرت ألا أعود الى ليبيا كما أغلب زملائي - 99 في المئة من زملائي - في الجامعة في مصر. وحتى في مصر كان لدي موقف. عندما كنت رئيس اتحاد الطلبة الليبيين في مصر كنت مشاكساً، ولدي كتابات تصادر، ومقالات، ولكن معمر كان يدافع عني. طبعاً هو استفاد من علاقاتي ولغاتي وعلاقاتي بالعالم الخارجي لحل مشاكله. وحللت له قضية لوكربي وأسلحة الدمار الشامل و «يوتا». أنا فتحت له الأبواب الى أوروبا، وفتحت له الأبواب الى الأمم المتحدة. أغلب من حوله كانوا من المزايدين الكذابين أمام القائد نحن كذا وكذا وشعارات، ثم يقولون لي أنت تتصرف صح. كانت لدي الجرأة ومعمر أعطاني الهامش. وأنا أقولها دائماً للأمانة إن القذافي أعطاني هامش المثقف ولم يضعني في قفص الموظف. هو استعملني واستفاد من رؤيتي ومشاكستي ومن رؤيتي للعالم. صحيح. معمر قالها لأحد الأصدقاء إنه في هذه الأزمة افتقدَ عبدالرحمن شلقم.


الهوني وجلود

> أريد سؤالك عن أشخاص: كيف ترى عبدالمنعم الهوني المعارض حالياً والذي كان عضواً في مجلس قيادة الثورة لدى قيامها؟


- عبد المنعم الهوني من طرابلس رجل حضري والفرق بينه وبين القذافي مثلاً أن الهوني كان يذهب الى مصر وهو ضابط قبل الثورة. يلتقي في طرابلس بالمثقفين وكان الرجل الثاني في الثورة مثل عبدالسلام جلود. وكان يقول، عندما يؤجلون موعد القيام بالثورة، لماذا تخافون من الثورة أنا استولي على النظام. عبدالمنعم اتخذ موقفاً مبكراً وقال لي أحسست أن معمر تغير من بداية السبعينات ويريد أن يستولي على السلطة واتخذ موقفاً.


> طاردته أجهزة القذافي لسنوات؟


- كان مستهدفاً لا يزال على قائمة التصفيات. إنسان وطني لا غبار عليه، مخلص متحضر وهو زاهد لا يريد منصباً إطلاقاً. يريد فقط ليبيا حرة. وأنا أحترم وأكبر هؤلاء وأنا منهم. أنا لا أريد منصباً أريد فقط قبراً في ليبيا الحرة.


> ألا تريد منصباً في ليبيا الجديدة؟


- أريد قبراً في ليبيا الحرة. أن أنام في تربة حرة فقط.


> أي نوع من الأشخاص هو عبدالسلام جلود بحكم معرفتك به؟


- ربطتني به علاقة قريبة وهو عرف العالم، عكس معمر، سافر وانفتح وجالس وحادَثَ. ينفعل ويغضب لكن قلبه أبيض لا يحقد. كنت أصطدم به ويحبني. هو اتخذ موقفاً ولم يُهمّش. هو الوحيد الذي يصرخ في وجه القذافي ويقول رأيه. في بداية التسعينات اتخذ موقفاً. هو يتكلم وينتقد ولا يرضى الخطأ وهو رجل دولة. فكل محاولات التطوير والتنمية والنهضة الاقتصادية التي جرت في السبعينات الفضل فيها لعبدالسلام جلود. شخص لا يقبل الفساد يرفع صوته على معمر. وعندما رأى أن الأولاد بدأوا يتدخلون انسحب باحترام. وفي مؤتمر في بنغازي قال للأخ معمر أنت غلطان. كان يريد تنمية ويريد إسكاناً. وقلتها مرة في محاضرة وأنا وزير للخارجية دافعت عن عبدالسلام جلود فالناس اعتبرتني مجنوناً وكتب في الصحف الليبية: «شلقم يدافع عن جلود».


> وأبو بكر يونس؟


- إنسان طيب كان نظيفاً لكن أولاده ورطوه وتورط في الفساد وورط معمر في مستنقع الفساد. وهو الآن من أكبر الفاسدين في ليبيا وأولاده جنوا الملايين، إنه الآن يصفق للدم. انحاز الى القذافي ويدافع عن القتل للأسف، كان رجلاً طيباً ونظيفاً وقومياً لكن الآن نعتبره مجرماً ومطلوباً لدى الانتربول وسيجد نفسه أمام محكمة الجنايات. أبو بكر مجرم ومن قتلة الشعب الليبي. كيف تنحاز لشخص ضد شعبك؟


> كيف تحول القذافي من شاب بسيط متواضع الى ديكتاتور من هذا النوع؟ القذافي كان ضابطاً صغيراً متحمساً هل السلطة تصنع «الوحش»؟


- يمكن هنا العودة الى فرويد ويونغ وآخرين والحديث عن تأثير الطفولة والمحيط الاجتماعي والأصدقاء. معمر كان مقموعاً من أبيه محمد عبدالسلام بومنيار الذي كان من
بين جندهم الإيطاليون لمحاربة الليبيين. جثمان والد معمر هو الآن في مقبرة الشهداء، كان مجنداً في كتيبة «باندة» في سرت وحارب الليبيين، والده ليس مجاهداً. وهناك تأثير صورة عبدالناصر والقمع والفقر. وهناك أيضاً ضغط السنوات الطويلة والتوتر الناتج من ممارسة الحكم.

> أخبرنا عن قصة تنصيبه نفسه ملك ملوك أفريقيا.


- أنصحك بكتاب بالفرنسية عنوانه «تشريح طاغية». كنا في بنغازي في 30 آب (أغسطس) 2009 قبل مغادرتي الى الأمم المتحدة وكنا في «الهواري» في مزرعة معمر أنا وبشير صالح، مدير مكتبه، كنا راجعنا الاتفاقية والمعاهدة واتفقنا على أن يزورنا برلسكوني. ثم جلسنا أنا وبشير نأكل المعكرونة فقال لي أنه زعلان ومنزعج. وسألته عن السبب فقال: «صاحبك سيعلن نفسه ملك الملوك». استفسرت: «ملك ملوك مَنْ؟». أجاب: «ملك ملوك أفريقيا»، وكان في غاية الانزعاج. وأضاف: «أبلغني أنه جهز تاجاً وأساور وخواتم وسيعلن ذلك اليوم أو غداً وهذه كارثة». قلت: «أنا لا أصدق ذلك، دعني أذهب للتحدث إليه». قال لي: «لا تحاول ذلك فقد قال لي أنا رجل غير مسبوق في التاريخ ولم ينصفني أحد. الأفارقة قرروا أن ينصبوني ملكهم وهم أفضل منكم. وسألبس التاج وسأري العالم أنني أنا ملك الملوك أنا رجل غير مسبوق». قلت لبشير: «هل تمزح؟». وضع كفيه على جبهته وقال: «يا أخي هذا ما حصل». سألته: «هل تحدثت مع سيف الإسلام»؟ فأجاب: «نعم، وسيف الإسلام بكى وصُدِم». قلت له: «دعني أتحدث إليه فهو في الخيمة قربنا». فرد: «انتبه لا تذهب إليه سيؤذيك». قلت لبشير: «هذا وضع خطير وسيسيء إلينا جميعاً»، فأجاب: «أنا لا أستطيع أن أفعل شيئاً ولا أنت». قلت: «ما الحل»؟ فأجاب: «لا حل مع هذا الرجل. ركب رأسه». قلت له: «الإيطاليون يقولون عنه هذا الرجل ممتلئ بذاته مثل البطيخة عندما تكون كلها قشور ظاهرها وباطنها». وبشير كان غاضباً وزعلاناً لأنه يحب معمر. وفوجئنا أنه فعلاً ظهر (بتلك الهيئة) وهذه كانت صدمة لليبيين وساهمت في انطلاق الثورة ضده لأن الليبيين فقدوا كل أملهم فيه ونظروا إليه أنه أصبح إنساناً غير عادي، إنساناً مريضاً، إنساناً مجنوناً، إنساناً أهبل، شاذاً لجهة لباسه.


> ما قصة ملابس القذافي الغريبة؟


- ملابسه نوع من الشذوذ ليقول أنا أختلف عنكم يا معشر الناس، وهذه ليست سمة معمر القذافي فقط فكل الديكتاتوريين والمشوهين والذين يعانون من العُصاب ومن الشذوذ يحاولون أن يختلفوا عن الآخرين. نحن كلنا نلبس بدلة وربطة عنق ومتشابهون، أما هو فيريد أن يقول إنه يختلف عنا. والاختلاف بيننا لا تستطيعون أن تصلوا إليه. أنا ألبس ملابس لا يستطيع أن يفكر أحد في لبسها. إذاً المسافة في الاختلاف بيني وبينكم ليست قابلة ليس فقط للتطبيق بل لمجرد التفكير فيها: الألوان الفاقعة مثلاً. أنا لو أعطيتني 100 مليون دولار وقلت لي البس ملابس القذافي أقول لك لا. يعني يكون حينها ذهابي الى «العصفورية» (مستشفى المجانين) أفضل لي. وعند إعلانه نفسه ملك ملوك أفريقيا أعتقدت جازماً أن الليبيين سيبدأون الثورة ضد القذافي حتى قبل أحداث تونس وقد سمعت ذلك بالفعل من الحلقة القريبة منه فقد كانوا في حالة غضب وبؤس.


> من نصحه أن ينصب نفسه ملك ملوك أفريقيا مثلاً؟


- لا أحد. هذا خبط عشواء تفكير العُصاب الشاذ.


> من أصدقاؤه في أفريقيا؟


- معمر ليس لديه أصدقاء حتى أن بعض الرؤساء يتملقونه من أجل
SHALGHAM logo.jpg حفنة من الدولارات وبمجرد أن يغادر يبدأون بشتمه وهذا حصل معي مثلاً رئيس تشاد، ورئيس بوركينا فاسو. يكونون مع القذافي يمتدحونه ويمجدونه ثم عند توديعي لهم في المطار يقولون أنتم موقعكم أفضل وأنتم أقرب الى أوروبا أنظروا الى دبي فهي أفضل منكم.

 

> لماذا اهتم القذافي بتشاد الى هذا الحد؟ هل كان يطمح أن يسيطر عليها؟

- لا لكن قبيلته القذاذفة كان 80 في المئة منهم في تشاد عادوا الآن الى جنوب ليبيا والى سرت. كلهم لهم علاقة بتشاد ويحبون الإبل والمراعي وتشاد أنسب لهم. حتى معمر إذا هرب ولديه علاقة برئيس تشاد ويقال أن لديه حاويات من الذهب والدولارات موجودة في تشاد. إذا هرب نقبض عليه بالنار والبارود. أما إذا تم ترتيب خروجه فلن يذهب الى تشاد سيذهب الى مكان آخر. أي إذا كان هارباً سيذهب الى تشاد وإذا غادر بترتيبات لن يذهب إليها لكن لا أعلم الى أين.


> هل تعتقد انه سيقبل بترتيب لخروجه في النهاية أم ينتحر؟


- إذا ضغط الثوار جدياً واقتربوا من طرابلس أعتقد أن معمر سيخضع وسيغادر مع عائلته الى مكان يأمن فيه نفسه. معمر لا ينتحر لأنه يؤله نفسه. لو وضع حول عنقه حبل المشنقة لن يكون مثل صدام أبداً، لا مقارنة بين معمر وصدام. صدام مجرم، مجنون، شاذ، لكن ممتلئ بالشعارات المريضة، معمر ممتلئ بذاته هو لا يمتلئ إلا بذاته.


> هل عرفت ماذا كان تعليق القذافي عند بدء الأحداث في تونس؟


- معمر عندما علم بما حدث في تونس ظهر على قناة «نسمة» منتفخ الوجه وواضح أنه أجرى حقناً في وجهه (من شدّ للوجه أو ما شابه) وكان منهاراً وكان يخطط أن يعيد بن علي الى تونس بأي ثمن. لولا الانفجار في ليبيا لكان معمر مستعداً أن يصرف كل ثروة ليبيا لإعادته لأن سقوط تونس يعني سقوطه هو، ثم انفجرت مصر. معمر كان في سبها عند سقوط (النظام في) تونس. في جميع أنحاء ليبيا عمارات جاهزة منفذة لتوزيعها وكان حينها في سبها فقال على جميع الليبيين في كل مكان الدخول الى هذه العمارات: نصف مليون وحدة سكنية لم تُشطّب بعد في كل أنحاء ليبيا: في طبرق، مصراتة، طرابلس، سبها، بنغازي... خلال ساعتين، ثم قال على الجيش أن يخليهم من هذه المباني. وهنا كانت «اللعبة» (الخدعة) عند إخراج الناس دخلت كتائب القذافي وأدخلت السلاح الى هذه المباني وكانت تمثيلية. معمر عند حصول الأحداث في تونس وسقوط بن علي كان في سبها فقال يا ليبيين خذوا المباني الجاهزة للسكن وقال لليبيين: «احتلوها». ثم في اليوم التالي طلب من الكتائب إخلاء الناس وأن يأخذوها هم فكانت فرصة للكتائب للدخول الى المدن وأدخلت السلاح. هذا البرنامج أعده القذافي حتى قبل أحداث مصر. ولهذا الساسة عندنا لا يعرفون الفرق بين الدهاء والبلطجة.


القذافي ولبنان

> ماذا كان القذافي يريد من لبنان؟


- معمر يعيش على قناعات السلفية القومية ويخضعها لمصلحته. الحقيقة انه شخص غريب. لا يؤمن بالقومية العربية. ولا يؤمن بالوحدة العربية. لا يؤمن إلا بمعمر القذافي. كل شيء يخضع لشخصه ويخدم شخصه. قضيته الوحيدة هي معمر القذافي بسلطته وصورته.


كان القذافي يعتبر لبنان مصنعاً للزعامة العربية. ويراه بلداً مفتوحاً يمكن أن تستأجر فيه أحزاباً وجمعيات وكتاباً وصحافيين وشعراء، أي أنك تعثر على من يهتف باسمك ومن يلمع صورك ومن يتحدث عن إبداعاتك. اعتبر أن شيئاً من زعامة عبد الناصر صنع في بيروت. وأن ثورة 1958 هناك كانت الحدث الثاني لعبد الناصر بعد معركة السويس قبل ذلك بعامين. ثم أن بيروت كانت تستضيف الثورة الفلسطينية بعد أخراجها من الأردن. كان يعتبر أن الدكاكين السياسية في لبنان هي التي ستصنع الكيمياء التي ستنتج منها زعامته. كان يعتبر أن الولاء في لبنان يباع على الرصيف. تستطيع حتى شراء فنانين. وهناك العلاقة العنكبوتية المركبة بين معمر وسورية. هناك تماس مع إسرائيل والمادة الإسرائيلية ضرورية لصنع الزعامة عبر الحديث عن المقاومة والتحرير والقومية. كل هذه الخيوط موجودة على أرض لبنان. أحب معمر لبنان المحتوي على هذه الخيوط وأنفق فيه بشكل فظيع ثم طوى الصفحة لاحقاً ولم يعد يتحمس لشيء. قبل سنوات قلت له: إننا نحتاج سفارة في بيروت حيث شوهت صورتنا ثم أن وجودنا هناك يساعدنا على متابعة أي حراك عربي. اقترحت عليه أن نشتري التفاح من لبنان بدلاً من أن نستورده من بلدان بعيدة. قال لي: سنتحدث في هذا الموضوع في وقت آخر. في المرة التالية عدت الى الموضوع فقال لي: «هذا الموضوع خط أحمر. انسَ لبنان».


> مع من كانت له علاقة قوية في لبنان؟


- لا يقيم مثل هذه العلاقات. يتعاطى على قاعدة إما أن تجلب لي منفعة أو تدفع عني ضرراً. أثناء وجودي في وزارة الخارجية كانت العلاقات مجمدة أما العلاقات مع «الحركة الوطنية اللبنانية» في مرحلة سابقة فلم أكن مشاركاً فيها. طبعاً كان يجلس جلسات طويلة مع وليد جنبلاط ومحسن إبراهيم وجورج حاوي وعاصم قانصوه. لمعمر مشكلة مع اللبنانيين. هو القائد والزعيم والمفكر لكن اللبنانيين كلمنجيون ويحبون النقاشات والأخذ والرد وهو ما لا يستسيغه. فعل القذافي أشياء مشابهة في دول أفريقية. يأتي بشخص ويغدق عليه الأموال ثم يطلب منه تنفيذ انقلاب وإذا نجح يلجأ بعد فترة الى دعم شخص ضده. فعل ذلك في النيجر وتشاد وغيرها.


كانت لدى معمر نظرية مفادها أن جارك يجب أن يكون غير مستقر لأنه إذا استقر يصبح خطراً عليك. ناقشته مرة في هذه النظرية وقلت له إننا يمكن أن نستفيد من استقرار الدول المجاورة وجادلني بعض الحاضرين لكنه قال إنني محق. أحياناً يتظاهر بالاقتناع من دون أن يغير سياسته. معظم الأوقات كان يقتنع بنظرية من يقولون إن الجار يجب أن يبقى ضعيفاً كي أبقى أقوى منه. إنه يحب التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى لأنه يبحث عن أتباع. كان يحلم أن يقلد عبد الناصر كأن يقول للقادة العرب هناك قمة ستعقد غداً فيسارعون الى الحضور ولا يغيب أحد. هذه كانت عقدته. حاول أن يفعل ذلك ولم ينجح. وكان هذا سبب كرهه للعرب في مرحلة لاحقة وتوجهه الى أفريقيا.


الأفارقة مساكين في غالبيتهم. فقراء. يأتون إليه ويجاملونه. يجلس هو على كرسي عال ويقبلون الجلوس على كراس أقل. يعطي لهذا خمسين ألف دولار وعشرين لذاك وعشرة لثالث. العرب رفضوا الخضوع لمعمر القذافي باستثناء من هم على استعداد أصلاً لبيع ولائهم.


> متى قررت قطع علاقتك مع القذافي؟


- في 15 شباط (فبراير) خرج الشباب في بنغازي وانتهت الامور على خير. التصعيد حصل في احداث يومي 16 و17 شباط التي لم تغطّها حتى قناة «الجزيرة». أولادي لديهم أصدقاء في بنغازي تحادثوا معهم فقالوا لهم اليوم مات فلان وفلان وفلان. يوما 17 و 18 شباط، قتل ابنا عبدالله السنوسي ومحمد اسماعيل أشخاصاً في منطقة جسر جيليانة فسقطوا في بحيرة «23 يوليو» كالفراشات. ثم خرجت تظاهرات في طرابلس تؤيد بنغازي. كنت يومها كلمت كل المسؤولين في ليبيا باستثناء معمر وقلت لهم: يا إخوان هذا خطأ لا تقتلوا. اذا قتلتم فسيقصفونكم بالطائرات، قالوا كذب. ثم رأينا طائرات «الميغ» الليبية في مالطا، والطيارون يقولون: كُلّفنا ضرب بنغازي ونحن الآن في مالطا. كلمت وزير خارجية مالطا فقال لي: نعم هناك طائرات «ميغ» ليبية لدينا والطيار اسمه فلان الفلاني واذا أردت يمكنه التحدث اليك. كلمت طرابلس قالوا لي: كذب. غير معقول. هل تلتزم مالطا وتعترف بأن لديها طائرتي «ميغ» وطيارين وصواريخ، وكان يمكن أن أكون أسجل كلامهم وقتها، كذب. كلمت طرابلس يومها ربما خمسين مرة. حاولت أن أكلم معمر قالوا لي: بعد قليل ولم يكلمني. ثم طلع علينا بخطابه العظيم، قال: «من أنتم؟ أنتم جرذان». وكان هناك يومها 17 قتيلاً في تاجوراء قرب طرابلس. ثم يقول: من أنتم يا جرذان. لماذا تقتلنا وتشتمنا يا معمر ونحن أحببناك وصبرنا عليك وسامحناك وبددت أموالنا؟


> كم شخصاً قتل معمر القذافي منذ بداية حكمه؟


- لا معلومات لدي، لكن الآن بعد الأحداث الأخيرة يقولون ان القتلى عشرون ألفاً وأنا أعتبر النصف، عشرة آلاف وهذا عدد غير قليل.


> وكشفت موقفك في مجلس الأمن؟


- أنا ألقيت كلمتي في مجلس الأمن يوم 25 شباط. بدأت الأحداث في 15 شباط في بنغازي، وبدأ بوصفها لـ «الجزيرة» صديقي ليث المسماري، وهو من سجناء «الأسبوع السياسي» الجريدة التي كنت فيها، وقد سُجن في طرابلس وعُذِّب والآن هرب وأصبح في بنغازي.


كنت أتصل يومياً وأكلم المسؤولين وأرجوهم أن يوقفوا القتل فيقولون: لا يمكن، الى أن وصلنا الى يوم 19 شباط حين أبلغ صديق ابني في بنغازي أن اشخاصاً ماتوا وضُربوا وقُتلوا في التظاهرات. وكنت أتصل بطرابلس، وأقول: هناك شباب قتلوا فينفون، ثم هناك قصف بالطائرات فينفون. وجاء يوم 20 شباط وهم ينفون. وأنا كل يوم أنصحهم وأقول لهم: يا إخواننا قولوا ما هي حصيلة القتلى وهم يرفضون. كلمت أمين المؤتمر الشعبي العام محمد الزاوي، وبشير صالح مدير مكتب معمر القذافي، عبدالله السنوسي، البغدادي المحمودي وموسى كوسى. يوم 21 شباط ظهرت على «الجزيرة» وقلت له: يا أخ معمر السلطة لا تعني شيئاً والبلد أهم، أرجوك أن تتنازل وتترك الشعب الليبي. لم يرد عليّ القذافي. في اليوم التالي كلمني سيف الإسلام معمر القذافي وقال لي: يا أخ عبدالرحمن ما هذا الكلام الذي قلته؟ وقال لي: لدي سؤالان محددان من معمر القذافي: ماذا تعتبر معمر القذافي بالنسبة اليك؟ قلت: أبي. قال: وأنا؟ قلت أخي. قال: «صافي يا لبن». قلت: «صافي يا لبن». قال: «لا مشاكل». قلت له: انني انفعلت وزعلت. قال: اذاً انت سفيرنا وتبقى وأنا أبلغ القائد أن الأمور على ما يرام، قلت له: لا مشكلة. وأنا في ذلك اليوم كنت أعد القرار الرقم 1970. لو كنت تحدثت (بطريقة مختلفة) لكانوا أرسلوا برقية تقول إن عبدالرحمن لم يعد مندوب ليبيا ولضاع كل شيء. فأنا بلفته وهذه السياسة. وكلمني عبدالله البغدادي من «اللجان الثورية» ومحمد الزاوي ورئيس الوزراء باستثناء القذافي وأنا أقول لهم OK بينما أعمل على قرار مجلس الأمن الرقم 1970 وهو أخطر من القرار 1973. قابلت أعضاء مجلس الأمن ورئيسة المجلس وكانت سفيرة البرازيل التي قالت لي: يا عبدالرحمن هذا الكلام خطير وهناك في المشروع كلام عن تحقيقات، فقلت لها: هذا الكلام الذي يريده معمر القذافي وهؤلاء قاموا بالمذبحة من دون علمه. وعلينا أن نضغط عليهم ونساعد معمر. زرت السفراء وبينهم السفير الروسي وقلت هذا ما يريده معمر والقرار 1970 بطلب من معمر القذافي. ومن حُسن حظي أنه قبل ذلك بيومين تكلم بان كي مون مع معمر القذافي الذي قال له: ما يقوله لك عبدالرحمن اعتبره ما أقوله أنا وعبدالرحمن صديقي وأنا فوّضته. وقلت: إن من قاموا بالمذابح يعملون ضد القذافي ونريد تحويلهم الى محكمة الجنايات، وجاء التصويت بالإجماع.


في اليوم التالي ظهر سيف الاسلام وقال ان عبدالرحمن شلقم «ضحك» علينا. في اليوم الأول قلت لكم أن ترسلوا برقية الى الأمم المتحدة بأنه لم يعد مندوباً. كان علي ان افعل ذلك لأن الشعب يقتل.


> ألقيت كلمتك في 25 شباط، فماذا حدث؟


- عانقني كل الأعضاء في مجلس الأمن وبان كي مون والجمهوروالصحافيون.


> كيف تقضي وقتك الآن؟


- أنا الآن وقتي كله لتعبئة التأييد للمجلس الوطني الانتقالي وشرح قضيتنا. ونعمل على معالجة الجرحى الليبيين وأمنت العلاج لقسم منهم في ايطاليا وذهبت أيضاً الى مالطا لتأمين العلاج لهم، ونعمل على تأمين مستشفى للمعاقين في مصراتة (إعادة تأهيل). نحاول تأمين أموال للمجلس ونحشد التأييد للمجلس وهذا عملي.


الحقيقة انني اجتمعت مع وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، وهو صديق قديم، وقلت له: «أنصحكم أيها الروس وأنتم قوة كبيرة ألا تعادوا المستقبل العربي وألا تؤيدوا الطغاة لأنه لن يكون لهم مكان. ثلاثة أشياء لن يكون لها وجود في التاريخ بعد الآن: الاستعمار، سوق العبيد والديكتاتورية. أيها الروس لا تعادوا
القذافي والحبيب بورقيبة..jpg المستقبل العربي، ولا تؤيدوا معمر القذافي ولا تؤيدوا علي عبدالله صالح ولا تؤيدوا بشار الاسد، بل انضموا وتحالفوا مع المستقبل العربي فالمستقبل للحرية والنهضة والمجتمع المدني».


........... انتهى