الحقيقة أولا ً وقبل كل شئ ..
فلا عدالة ولا صلح بدون إظهار الحقيقة
بقلم : سليم الرقعي
من المعروف أنه لا يمكن تحقيق العدالة في أية قضية ما لم يتم أولا ً إظهار الحقيقة .. حقيقة ما حصل بالفعل بلا تلحين ولا تزيين .. لهذا - وفي كارثة وطنية وإنسانية في حجم ووزن وبشاعة مجزرة "بوسليم" - لا يمكن تصور تحقيق العدالة القضائية ما لم يتم إظهار الحقيقة الجنائية أولا ً! .. لهذا وقبل الحديث عن التعويضات المرضية أو الإعتذار الرسمي لذوي الضحايا لابد أولا ً من إخبار أهالي الشهداء والرأي العام الليبي والدولي ماذا حدث بالضبط في يوم 29 مايو 1996 على وجه الدقة والتفصيل بلا زيادة ولا نقصان!؟.. أي لابد من رواية الحقيقة بالطريقة التي تحدث بها "سيف الإسلام" عن طريقة إعدام "الشيخ البشتي"!! .. والمطلوب هو التفاصيل وقول الحقيقة وتحديد "القبر الجماعي" الذي دفنت فيه جثث الضحايا[1] وتقديم كافة المعلومات لذويهم..
أما الحقيقة بشكل عام ومجمل فهي معروفة للجميع اليوم!.. فالجميع بات يعرف أنه في ذلك اليوم المشؤوم تم إطلاق الرصاص المكثف على 1200 سجين سياسي ليبي أعزل وسط ساحة المعتقل فتم قتلهم جميعا ً في غضون ساعات معدودة بلا رحمة ولا محكمة!.. ومع ذلك فلم تعترف سلطات القذافي بتفاصيل هذه الكارثة ربما لأن الإعتراف هو سيد الأدلة!!.
ويعرف الجميع كذلك – وبشكل عام ومجمل - أن هناك تمرد محدود قام به عدد معدود من السجناء.. وتحول هذا التمرد المحدود إلى "إضراب" شارك فيه سجناء آخرون..ونعرف أن هؤلاء المتمردين والمضربين قد قاموا بإحتجاز أحد حراس السجن ليبدأوا سلسلة مفاوضات مطالبية مع إدارة السجن من أجل المطالبة بحقوقهم الإنسانية وبتحسين أحوالهم المعيشية داخل السجن الكئيب المهين والبت في قضاياهم المعلقة!.
فكل هذا بات معروفا ً للجميع ولكن رد فعل سلطات نظام القذافي يومها فاق كل تصور!.. وكان بطريقة شنيعة ووحشية لا تخطر على بال حتى أعتى الصهاينة الدمويين من أمثال "شارون" أو "نتن ياهوه"! .. حيث صدر أمر مفاجئ يومها أثناء المفاوضات الجارية بإنهاء ذاك الإضراب بالقوة من خلال إطلاق الرصاص على السجناء المتواجدين في الساحة بلا رحمه!! .. والرصاص المستخدم يومها لم يكن مطاطيا ً بل كان رصاصا ً ناريا ً حقيقيا ً تم تسديده لرؤوس وصدور السجناء العزل!.. بل وقيل بأنه قد تم الإجهاز على الجرحى والمصابين أيضا ً بعد الإنتهاء من قتل الجموع!!
إن كل المعلومات والمؤشرات وكل السوابق وكل تاريخ هذا النظام الفاشي الدموي تؤكد لنا أن ما حصل يومها لم يكن نتاج سوء تقدير أو سوء إستعمال للقوة المفرطة أو نتاج مصادمات مسلحة بين الطرفين أو نتاج أحداث شغب عارمة خرجت عن نطاق السيطرة بل ما حدث هو جريمة إعدام وقتل جماعي متعمدة حدثت على يد "السلطة" السياسية والأمنية في البلد فيما كانت المفاوضات تجري على قدم وساق! .. فالقتل الجماعي – إذن - كان مقصودا ً وربما تم تنفيذه تحت مقولة وشعار"التصفية الجسدية لأعداء الثورة" !.. فهذه شرعة دموية قديمة شرعها العقيد القذافي لأتباعه وسنة إرهابية سنها لهم وحرضهم مرارا ً وتكرارا ً على تنفيذها !.. هل تذكرون!؟.
إذن فقد إستخدمت سلطات القذافي الرصاص المعدني الناري وقد كان في إمكانها إستخدام الرصاص المطاطي مما يؤكد أن نية القتل والتصفية الجسدية كانت مبيتة ومتوفرة لدى الجناة مع سبق إصرار وترصد!.. مع أنه كان من الممكن بالفعل إنهاء هذا (الإضراب) الذي قام به السجناء بعدة طرق متوفرة وذكية أخرى لو كانت السلطات تتحلى بالصبر والحكمة وتستشعر مسؤوليتها عن هذه الأرواح والأنفس حتى لو كانت أنفس معارضين ومناوئين للنظام!.. وكان منها - على سبيل المثال فقط لا الحصر - إستخدام الغازات المسيلة للدموع لإجبار السجناء على الدخول إلى العنابر والزنزانات أو إستخدام مواد منومة في مياه الشرب أو التحلي بالصبر والنفس الطويل في عمليات التفاوض حتى يتم إقناع السجناء بإنهاء إضرابهم والعودة لزنزاناتهم ولو إستغرقت عملية الإقناع عدة أيام أو حتى أسابيع سيشعر بعدها السجناء بالإرهاق وقد يستسلمون، فهناك – إذن - أساليب كثيرة وممكنة لفض ذاك الإضراب وإمتصاص غضب المضربين ….إلخ
ولكن سلطات القذافي إختارت – بقرار مفاجئ - الطريق الأسرع والأكثر دموية وهو حصد هذه الأرواح الـ1200 جميعا ًبالرصاص الحي في غضون ساعات معدودة للتخلص منهم جميعا ًبطريقة التصفية الجسدية!.. وقد حاول "القذافي" وزمرته المتنفذة التعتيم على هذه الجريمة البشعة إلا أن الخالق سبحانه وتعالى الذي يسمع ويرى أظهرها للرأي العام المحلي والدولي وفضحهم وهتك سترهم وكشف سرهم!.
ولكن سلطات القذافي إختارت – بقرار مفاجئ - الطريق الأسرع والأكثر دموية وهو حصد هذه الأرواح الـ1200 جميعا ًبالرصاص الحي في غضون ساعات معدودة للتخلص منهم جميعا ًبطريقة التصفية الجسدية!.. وقد حاول "القذافي" وزمرته المتنفذة التعتيم على هذه الجريمة البشعة إلا أن الخالق سبحانه وتعالى الذي يسمع ويرى أظهرها للرأي العام المحلي والدولي وفضحهم وهتك سترهم وكشف سرهم!.
واليوم يمارس النظام ضغوطات خبيثة على أهالي الضحايا لإرغامهم على القبول بالتعويض المحدد رسميا ً.. القبول بالتعويض المادي "الدية" وكفى!! ..التعويض مقابل السكوت التام ! .. ومقابل عدم الخروج في الإعتصام الأسبوعي الراتب لأهالي الشهداء في بنغازي! .. ومقابل التوقيع على تعهد خطي بعدم رفع قضية ضد الدولة أو ضد سلطات السجن في أية محكمة محلية أو دولية! .. وهذا يعني ضياع الحقيقة وبالتالي ضياع العدالة إذ لا عدالة بدون حقيقة! .
وأنا شخصيا ً على قناعة تامة وجازمة أن نظام القذافي لن يقر ويعترف بحقيقة ما جرى في ذلك اليوم الدامي من عام 1996 في معتقل "بوسليم" بطرابلس.. وإذا إضطر في وقت لاحق للكلام فإما أنه سيقول الحقيقة ناقصة ومشوهة ومبتورة أو سيكذب علينا وعلى الرأي العام المحلي والدولي بشكل مفضوح وعلى طريقة "فعلها مستر جون!؟" وما أدراك ما مستر جون!!!؟؟ [2] تماما ً كما كذب في قضية كارثة طائرة بنغازي المنكوبة عام 1992 وكما كذب في قضية كارثة "أطفال الأيدز" وكما كذب في قضايا كثيرة على الشعب الليبي ليس أولها كذبة "البيان الأول للثوره" ولا آخرها كذبة "توزيع الثروة" .. فنظام القذافي كما أنه نظام قاس ٍدموي وحشي فهو أيضا ً نظام فاشي يقتات على زراعة الأوهام وصناعة الأكاذيب !.. أم تراكم نسيتم حتى هذا !!؟؟
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1]يـُقال أن سلطات النظام الأمنية قامت بالتخلص من رفات الشهداء بعد سقوط نظام صدام حسين والكشف عن مقابر جماعية هناك وقيل أنه تم التخلص من الرفات بإذابتها في أحماض شديدة التركيز!..والله أعلم!؟.
[2] يـُقال أن هناك مساع ِ لمخابرات النظام لإقناع بعض السجناء المفرج عنهم ممن عاصروا أحداث مذبحة بوسليم للإدلاء بشهادات في التلفزيون تخدم الرواية الرسمية !!!؟.. والله أعلم !.
سليم نصر الرقعي
كاتب ليبي يكتب من المنفى الإضطراري (بريطانيا)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق